المقدمة
لازالت قوّات وجيش الاحتلال الإسرائيلي يتعاملون مع الفلسطينيين في قطاع غزة بأشد أنواع القهر والاذلال، حيث فرضت حصار بحري وجوي وبري خانق على المواطنين وذلك منذ عام2006 الى هذه اللحظة، خلال هذه المدة شهدت قطاع غزة العديد من الحروب التي دمرت البينة التحتية وأودت بحياة عشرات الالاف من القتلى الأبرياء، حيث أصبح الواقع المعيشي لديهم تحت خط الصفر مما تسبب لهم بأضرار نفسية وجسدية، حيث تواصل قوات الاحتلال ارتكاب الإبادة الجماعية في قطاع غزة وتستهدف في هجماتها المميتة السكان المدنيين وممتلكاتهم على نطاق واسع، وتتعمد تدمير الخدمات والطواقم الطبية والمستشفيات والمراكز التخصصية التي تقدم الرعاية الصحية للمرضى وتعرقل وصول الأجهزة والمعدات الطبية الازمة، وتزيد من معاناتهم من خلال قطع امدادات الغذاء والماء الصالح للشرب.
إن عدوان السابع من أكتوبر2023، كان نقطة الفصل بين مصير الإنسانية التي اتفقت عليها شعوب العالم من أجل فرض واختراق السلم والأمن الدوليين، حيث تجاوزت دولة الاحتلال الإسرائيلي كل الخطوط الحمر في تدمير ما تبقى من حياه وإنسانية لدى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، هذا الاحتلال لم يدع أي قانون او ميثاق أممي إلا وانتهكه أمام مرمى ومسمع العالم دون حساب أو رقيب، وفيما يتعلق بأجهزة الأمم المتحدة التي لديها واجب أخلاقي وإنساني في الحفاظ على أمن وسلامة الشعوب اثبتت بأنها عاجزة عن وقف الحرب الإسرائيلية ومحاسبة مسؤوليها عن الجرائم التي اقترفوها بحق الشعب الفلسطيني منذ ما يقرب نصف قرن.
يأتي هذا التقرير ليتناول سياسة الاحتلال الإسرائيلي في سعيه المتواصل لتدمير ما تبقى من المنظومة الصحية في قطاع غزة وزيادة معاناة المرضى والجرحى وقطع أي فرصه أمل لنجاتهم، حيث يبين هذا التقرير مجمل الانتهاكات الصارخة ضد المستشفيات والطواقم الطبية التي قام بها جيش الاحتلال في حربه الحالية على قطاع غزة.
قصف المستشفيات واستهداف الطواقم الطبية
لم يكتف جيش الاحتلال الإسرائيلي بقتل المدنيين الأبرياء من الفلسطينيين في قطاع غزة منذ بدء العدوان على قطاع غزة في 7 أكتوبر2023 فحسب، بل أمتد إلى شن حرب ضد المستشفيات والطواقم الطبية بشكل عنجهي ومميت، انّ هذه الهجمات المتكررة والغير قانونية التي يشنها الجيش الإسرائيلي على المرافق، ووسائل النقل الطبية تؤدي إلى تدمير نظام الرعاية الصحية في قطاع غزة وهذا بدورها يشكل جريمة حرب، على الرّغم من ادّعاء الجيش الإسرائيلي بأن الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة تستخدم المستشفيات كدروع بشرية، إلا أنه لم يقدم أي دليل على ذلك وهذا ما شكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني.
أفادت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها انّ 521 شخصا على الأقل، بينهم 16عاملا طبيا، قتلوا في 137هجوما شنه الجيش الإسرائيلي على مرافق الرعايا الصحية في غزة حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني2023([1]).
قال قيوم أحمد، المستشار الخاص للحق في الصحة في هيومان رايس ووشت: “الهجمات الإسرائيلية المتكررة التي ألحقت أضرارا بالمستشفيات والعاملين في الرعاية الصحية، التي تضاف إلى الأضرار السابقة جراء الحصار غير القانوني، دمرت البنية التحتية للرعاية الصحية في غزة. قتلت الغارات على المستشفيات المئات وعرضت العديد من المرضى لخطر جسيم لأنهم غير قادرين على تلقي الرعاية الطبية المناسبة”([2]).
انّ الطواقم الطبية من العاملين خاصة سائقي سيّارات الإسعاف، كان لهم أيضا نصيب من القصف المتعمد والممنهج ضدهم، حيث استهدف الجيش الإسرائيلي في مناسبات عدّة سيارات الإسعاف لتي تحمل شارة الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، بالقرب من المستشفيات. وهنا وجب التنبيه إلى انّ سيارات الإسعاف، كما المرافق الطبية، تحظى بحماية خاصة بموجب قوانين الحرب، بحيث لا يجوز مهاجمتها ما لم تُستَخدم لارتكاب “أعمال ضارة بالعدو”.
وفي هذا الصدد وثّقت وزارة الصحة الفلسطينية العديد من استهداف سيارات الإسعاف، ففي 3 نوفمبر/تشرين الثاني، قصف الجيش الإسرائيلي سيارة تحمل علامة سيارة إسعاف أمام مستشفى الشفاء في مدينة غزة ([3])([4])؛ نتيجة لذلك قتلت امرأة على نقالة في سيارة الإسعاف وما لا يقل عن 21 شهيداً أو جريحاً في المنطقة المحيطة بسيارة الإسعاف، بينهم خمسة أطفال على الأقل. وأفادت وزارة الصحة في غزة باستشهاد 15 شخصاً وإصابة 60 آخرين في الغارة ([5])([6]).
وبحسب اخر إحصائية الجـهـاز الـمـركـزي للإحصاء الـفلسطيني، وخلال عام على التوالي للعدوان على غزة، استشهد مالا يقل عن 1068 شخص من الطواقم الطبية، و94 شخص من طواقم الإنقاذ في الدفاع المدني([7])، و32 مستشفى و53 مركز صحي خرجوا عن الخدمة، واستهداف 160 مؤسسة صحية، 126 مركبة اسعاف تم استهدافها، و59 مركبة اسعاف خرجت عن الخدمة، و310 حالة اعتقال للكوادر الطبية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، و 6 مقابر جماعية في المستشفيات ([8]).
وفي خصوص قصف الجيش الإسرائيلي مستشفيات قطاع غزة يمكن ان يتم عرض بعض من هذه المستشفيات التي شهدت ساحة حرب داخل اسوارها ومن بينها:
- المستشفى الاندونيسي
قصف الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر مجمع المستشفى الاندونيسي في مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، ففي السابع من أكتوبر، قصف الجيش الإسرائيلي الساحة الخارجية لمستشفى الاندونيسي مما أسفر عن مقتل رجلين، أحدهما موظف في الوكالة، بالإضافة إلى مقتل حارس الأمن أثناء جلوسه في احدى سيارات الإسعاف مع السائق ومسعف ([9]).
أفادت التقارير بأنّ المستشفى الإندونيسي تعرض للقصف 35 مرة منذ 28 تشرين الأول/ أكتوبر مرّات عديدة، فقتلت العديد من المدنيين، كما تعرض المركز الدولي للعيون للقصف المتكرر، بالإضافة الى قصف القوات الإسرائيلية في عدة مناسبات سيارات الإسعاف، وتم استهداف يوم 3نوفمبر/تشرين الثاني، حيث أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة عن استشهاد 15شخصا واصابة 60 في هذه الضربة بشكل متعمد ([10]).

تدمير وحرق مستشفى الاندونيسي
- مستشفى القدس
شنّ الجيش الإسرائيلي عدّة ضربات محيط مستشفى القدس في حي تل الهوى بمديته غزة يوم16اكتوبر/تشرين الأول، رغم ان المستشفى كان يستخدم لعلاج المرضى وايواء العائلات النازحة، وأصدرت “جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني” بيانا انّ السلطات الإسرائيلية حذرت عبر الهاتف بشأن قصف المستشفى وأمرت بالإخلاء. وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول، أفادت التقارير أن السلطات الإسرائيلية أمرت بإخلاء المستشفى مرتين خلال نصف ساعة ([11]).

اثار مخلفات القصف على مستشفى القدس
وأعلنت الجمعية في 2 نوفمبر/تشرين الثاني أن النيران التي أطلقتها مركبات إسرائيلية على بعد كيلومتر واحد جنوباً جرحت رجلاً وطفلاً أمام المستشفى وأصابت الطابق السادس من المستشفى حيث كان العديد من النساء والأطفال النازحين يلجؤون، ما ألحق أضرارا بوحدات التكييف المركزية وخزان المياه في المستشفى ([12]).
وصرّحت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أن القصف ازدادت حدته ومدته وقربه من المستشفى، وأدى إلى إصابة 12 شخصاً من الأشخاص الذين لجأوا إليه، بالإضافة إلى إصابة مريضين أحدهما كان في وحدة العناية المركزة ([13]).
- مستشفى كمال عدوان
عندما قام جيش الاحتلال بمداهمة مستشفى كمال عدوان برّاً، وردت العديد من التقارير الحقوقية عن قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بدفن مصابين ومواطنين فلسطينيين وهم أحياء في ساحة مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال غزة، الذي انسحبت منه قوات الجيش بعد 9 أيام من الحصار والاقتحام واقتراف فظائع مروعة، حيث انّ الجرافات الإسرائيلية دفنت فلسطينيين أحياءً في ساحة المستشفى قبل انسحابها منها، ودمرت القوات الإسرائيلية البوابات الخارجية، وجزءاً من مبنى الإدارة والصيدلية وأحرقت مخزن الأدوية قبل تدميره، ودمرت بئر المياه ومولد الكهرباء ومحطة الأكسجين، وعملت حفرة كبيرة في ساحة المستشفى ونبشت حوالي 26 جثة لقتلى دفنوا في أوقات سابقة في المكان لتعثر دفنهم في المقابر، حيث عملت الجرافة على إخراجهم بشكل مهين بكرامة الميت([14]).

تدمير وحرق مستشفى كمال عدوان
- مجمع الشفاء الطبي
يعتبر مجمع الشفاء من أكبر مستشفيات قطاع غزة من حيث طاقة استيعاب المرض والجرحى ووفرة الإمكانيات الطبية، وكان يعالج يوميا 450مريضا قبل الحرب، إلا أنه لم يسلم من بطش الاحتلال الذي قام بتدمير كل المباني واحرقه بشكل كامل عندما حاصره في1نيسان/أبريل2024، مما أوقفه عن الخدمة، وقد استخدم الاحتلال المستشفى كساحة قتال مما يتحتم معه الأمر للحكم على السكان بأجمعهم بالموت البطيء ([15]).
يعتبر هذا بمثابة حرب متوالة بلا هوادة على النظام الصحي في غزة، وأصيب عاملون آخرون في مجال الرعاية الصحية واعتقلوا واحتجزوا، بمن فيهم مدير عام مستشفى الشفاء، وقد اعتُقل في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني ([16]).
وقد أصيبت مباني قسم الطوارئ والجراحة وجناح الولادة في المستشفى بأضرار جسيمة بسبب المتفجرات والحرائق. وهُدم الجدار الغربي لقسم الطوارئ والجدار الشمالي لقسم العناية المركزة لحديثي الولادة، وحُرق ما لا يقل عن 115 سريراً في قسم الطوارئ، ودُمرت 14 حاضنة في وحدة العناية المركزة.
كما قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بحفر العديد من القبور السطحية خارج قسم الطوارئ، والمباني الإدارية ومباني الجراحة. وفي المنطقة نفسها، دُفنت الكثير من الجثث جزئيًا، الذي قام الاحتلال بإعدامهم بدم بارد وممارسة أبشع أنواع التنكيل بهم. بالإضافة إلى احتجاز المرضى في ظروف مزرية في أثناء الحصار. ولقد عانى المرضى نقصاً شديداً في الغذاء والمياه والرعاية الصحية والنظافة الشخصية والصرف الصحي، وأجبروا على الانتقال بين المباني تحت تهديد السلاح. وقد أُبلغ عن وفاة 20 مريضاً على الأقل بسبب عدم الحصول على الرعاية ومحدودية الحركة المسموح بها للموظفين الصحيين ([17]).
ومن أصل 36 مستشفًى رئيسيًا كانت تخدم أكثر من مليونَي شخص من سكان غزة، فإن المستشفيات العاملة في القطاع الآن لا تزيد على 10 مستشفيات، تعمل بشكل جزئي، بالإضافة إلى قيود شديدة على أنواع الخدمات التي يمكن لهذه المستشفيات أن تقدمها. والتوغل العسكري المزمع تنفيذه في رفح لن يسبب سوى تفاقم الأزمة وتقليص فرص الحصول على الرعاية الصحية أكثر وأكثر، وسيكون له عواقب صحية لا يمكن تصورها. ولا بد من إنهاء التفكيك المنهجي للرعاية الصحية.

تدمير وحرق مستشفى الشفاء الطبي بمدنية غزة
وفي بيان لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني صرّحت بأن سيارة الإسعاف التي قصفت أمام مستشفى الشفاء بأنه كانت واحدة من بين خمس سيارات اسعاف كانت تنقل مصابين من مستشفى الشفاء أحد أكبر مستشفيات قطاع غزة إلى معبر رفح حتى يحصلوا على رعاية صحية، وعند عودتها، تم قصفها من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي بشكل مقصود مما أدى إلى إصابة وقتل الفريق العامل والمرضى ([18]).

قصف سيارة اسعاف امام بوابة مجمع الشفاء الطبي
وقالت منظمة الصحة العالمية في نوفمبر/تشرين الثاتي2023، انها وثّقت 93هجمة على المرافق الصحية في غزة منذ 7اكتوبر/تشرين الأول، والتي أدّت إلى مقتل 491شخصاً، بينهم16 عاملا طبيا و39منشأة صحية و28سيارة اسعاف ([19]).
على الرغم من انّ المستشفيات والمرافق الطبية هي أعيان مدنية تتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني وقوانين الحرب والاتفاقيات الدولية، إلا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يأخذ كل هذه القوانين بعين الاعتبار، بل ما زال يواصل في عمليات قصف المستشفيات والفرق الطبية.
تأثير الحصار الإسرائيلي على المستشفيات
لعب الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2006، على تقيد عمل المستشفيات بشكل كلّي وجزئي، وانعدام الادوية والمعدات الأساسية، مما عرّض الأطفال وغيرهم من المدنيين الفلسطينيين لأخطار جسيمة
حيث فرض الاحتلال عليهم عقاب جماعي وهذا بمثابة جريمة حرب، فالحصار والقصف الإسرائيلي غير القانوني على قطاع غزة متواصل منذ 16عاما، حيث يعتمد80 بالمئة من السكان على المساعدات الإنسانية، كل ذلك تسبب في موت أعداد لا حصر لها من الأطفال الجرحى والمرضى نظراً لحاجاتهم الطارئة للعناية الطبية.
لم يخف قادة الاحتلال الإسرائيلي نيتهم عن تدمير قطاع غزة وحصارها فقط، بل على العكس من ذلك صرّحوا علنا، وهذا ما أعلنه وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت قائلا: “حصار تام … لا كهرباء، لا مياه، لا غذاء، لا وقود. نحن نحارب حيوانات بشرية، وسنتصرف على هذا الأساس”([20]).
على الرغم من انّ اتفاقية جنيف الرابعة تفرض على سلطة الاحتلال في حالات الاحتلال العسكري أن تستخدم كل ما لديها من وسائل لـ “تأمين الغذاء والإمدادات الطبية للسكان”. إلا أنّ سياسة الاحتلال الإسرائيلي تستخدم التجويع كسلاح محظور وهو ما يشكّل جريمة حرب.
انّ الحصار التام الذي تفرضه إسرائيل على سكان قطاع غزة يشكل جريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد، التي ما زالت إلى يومنا هذا ترتكبه سياسة الاحتلال الإسرائيلي بشكل ممنهج.
يشكّل حجم الضحايا المخيف كارثة إنسانية لم يسق لها مثيل منذ عقود مضت، اذ تبلغ حصيلة القتلى حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أكتر من 35287 قتيل و، 83004 جرحى، 32 مستشفى خارج الخدمة، 25 مستشفى متضررة نتيجة القصف الإسرائيلي، 126 سيارة اسعاف مدمرة ([21]).
نتيجة ذلك أصبح هناك نقص حاد في المعدات والامدادات الطبية والأدوية في المستشفيات بسبب الحصار، مما تطلب الأمر معه تعقيم أجساد المرضى بالصابون العادي وبتر الأعضاء دون مخدّر، واشعال الأضواء بضوء الهاتف العادي لأجراء العمليات الجراحية المنقذة للحياة.

اجراء عملية جراحية على ضوء الهاتف المحمول
في13 أكتوبر/تشرين الأول، قال صندوق الأمم المتحدة للسكان ” إن أكثر من 5,500 امرأة حامل في قطاع غزة ينتظرن ولادة أطفالهن خلال الشهر القادم، لكن تنتظرهن “منشآت طبية لا تعمل كما يجب” ونقص في “الإمدادات المنقذة للحياة”([22]).
وأعربت منظمة الأمم المتحدة للطفولة(اليونيسف) عن قلقها البالغ إزاء تأثير الحصار. وأشارت إلى وجود أكتر من 120 طفلا حديثي الولادة في الحاضنات، 70 منهم بحاجة إلى تنفس اصطناعي، ولا يمكن للحاضنات وأجهزة التنفس أن تعمل دون إمدادات كهرباء مستقرة. وقالت اليونيسف: “سيرتفع عدد الوفيات بشكل كبير إذا بدأت الحاضنات في الفشل، وإذا أظلمت المستشفيات، وإذا استمر الأطفال في شرب مياه غير آمنة ولم يتمكنوا من الحصول على الدواء عندما يمرضون”([23]).
وعلى الرغم من ارسال مساعدات طبية للمرضى، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يصرّ على منعها من خلال قصف معبر رفح البري وقتل العاملين في المجال الإنساني ([24]). بين 11 و13 نوفمبر/تشرين الثاني، توفي ثلاثة أطفال خُدج و29 مريضا آخرين في مستشفى الشفاء وسط انقطاع التيار الكهربائي ونقص الإمدادات الطبية وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية(اوتشا) ([25]).
أمرت السلطات الإسرائيلية بإخلاء كافة المستشفيات الـ 22 في مدينة غزة وشمال القطاع. وقالت منظمة الصحة العالمية: “من المستحيل تنفيذ [أوامر الإخلاء] هذه، ما يعرض حياة المرضى المقيمين والنازحين في المستشفيات للخطر، وخاصة الأشخاص الأكثر ضعفا الذين يحتاجون إلى أجهزة إنعاش”. وأضافت منظمة الصحة العالمية أن ” قدرة سيارات الإسعاف في الجنوب غير كافية لنقل المرضى والجرحى وليس هناك أسرّة كافية لرعاية هؤلاء المرضى هناك”. ووصفت المنظمة الأمر بأنه “حكم بالإعدام على المرضى والجرحى”([26]).
وأعربت أوتشا عن قلق بشأن “آلاف المرضى والعاملين في المجال الطبي، فضلا عن حوالي 117,000 مهجر” يقيمون في هذه المرافق. وقالت ميني نيكولاي، المديرة العامة لـ “منظمة أطباء بلا حدود”: “إن الإشعار الإسرائيلي بأن على الناس في شمال غزة مغادرة أراضيهم ومنازلهم ومستشفياتهم خلال 24 ساعة أمر شائن – هذا يمثل هجوما على الرعاية الطبية وعلى الإنسانية”([27]).
الخاتمة
إن تدمير النظام الصحي هو الهدف الرئيسي للاستراتيجيات العسكرية الإسرائيلية، بعد أن أمضى ستة أسابيع جيش الاحتلال الإسرائيلي وهو موجود في مستشفيات متعددة في مختلف أنحاء قطاع غزة خلال حرب الإبادة الجماعية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.
فمنذ 9 شباط/فبراير2024، لم يعد أي من المستشفيات في قطاع غزة يعمل بكل طاقته، إذ إن 13 فقط من مجموع 36 مستشفى تعمل بجزء من قدراتها، أمّا عيادات الرعاية الصحية الأولية، فلا يعمل منها سوى 17%، ومرافق الرعاية الصحية الأخيرة المتبقية مكتظة تماماً. وهناك كثيرون يموتون بسبب الأوضاع المدمرة التي فرضتها حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، كالمجاعة، والالتهابات الناجمة عن الاكتظاظ، والأوضاع غير الصحية بسبب تدمير إسرائيل البنية التحتية الأساسية، والمضاعفات الناجمة عن انقطاع العلاجات التي ينبغي أخذها في مواعيدها، كما في رعاية مرضى السرطان.
لقد كانت نية إنهاك القطاع الصحي في غزة وتدميره واضحة منذ بداية الحرب؛ ففي 14 تشرين الأول/أكتوبر، أي بعد مرور 7 أيام فقط على الحرب، أمر جيش الاحتلال بإخلاء 22 مستشفى في شمال قطاع غزة.
وبدلاً من تحميل إسرائيل المسؤولية عن جرائمها الشنيعة، فقد تلقف العالم الدعاية الإسرائيلية، وتداول المزاعم التي تعصى على الفهم، والتي فحواها أن ما حدث نجم عن فشل فصيل فلسطيني مقاوم في إطلاق صاروخ، فانفجر في حرم المستشفى الأهلي المعمداني بمدنية غزة، وتجاهل الإجراءات التي كانت إسرائيل تتخذها لتفكيك النظام الصحي في غزة. وفشلُ المجتمع الدولي في إدانة إسرائيل شجعها على إطلاق العنان لآلتها العسكرية، وتنفيذ هجوم أشمل ضد مؤسسات الرعاية الصحية.
في ضوء ما سبق عرضه في هذا التقرير، تجدد الجمعية الإنسانية للتنمية بلا حدود انطلاقاً من دورها الإنساني والأخلاقي، في تجديد دعواتها المتكررة لدى المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية، إلى:
أولاً: حمايةِ المرضى والعاملينَ الصحيين والإنسانيين والبنيةِ الأساسيةِ الصحيةِ والمدنيين. ويجب عدم عسكرة المستشفيات أو إساءة استخدامها أو الهجوم عليها. وتطالب الجمعية بأنشاء آلية تنسيق فعالة وشفافة وقابلة للتطبيق من أجل الاشراف على حماية المدنيين في قطاع غزة وايصال المساعدات الكافية لهم ومحاسبة مجرمي قادة وجيش الاحتلال الإسرائيلي لتورطهم في جرائم إبادة جماعية محققة داخل قطاع غزة.
ثانياً: وقف فوري لإطلاق النار بشكل مستدام لأغراض إنسانية، وفتح جميع المعابر المؤدية إلى غزة من أجل الوصول الآمن والمستدام ودون عوائق للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك المياه، والغذاء، والإمدادات الطبية، والوقود.
ثالثًاً: حث المجتمع الدولي للضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل احترام وحماية البنية التحتية المدنية مثل الملاجئ والمدارس والمرافق الصحية والكهربائية والمياه والصرف الصحي، لمنع فقدان أرواح المدنيين والأطفال، وتفشي الأمراض، ولتوفير الرعاية للمرضى والجرحى.
معتصم جندية: باحث قانوني
إيهاب البراوي: باحث قانوني
[1]– منظمة الصحة العالمية، تقرير حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية المحتلة، انظر الرابط التالي: https://www.emro.who.int/images/stories/palestine/WHO_Sitrep_11.pdf تاريخ الاطلاع 8مايو2024.
[2]– هيومان رايتس ووتش، انظر الرابط التالي: https://www.hrw.org/about/people/kayum-ahmed تاريخ الزيارةا8مايو2024.
[3]– وزارة الصحة الفلسطينية، مشهد من استهداف سيارة إسعاف بغارة إسرائيلية عند مدخل مستشفى الشفاء في غزة، أنظر الرابط التالي: https://www.facebook.com/photo.php?fbid=708419578051674&id=100066509136633&set=a.274345968125706 تاريخ الزيارة8مايو2024.
[4]-الأمم المتحدة، منظمة الصحة العالمية تدين هجمات قرب 3 مستشفيات في غزة، نظر الرابط التالي: https://news.un.org/ar/story/2023/11/1125717 تاريخ الزيارة8مايو2024.
[5]– هيومن رايتس ووتش، غزة: ضربة إسرائيلية تبدو غير قانونية على سيارة إسعاف، انظر الرابط التالي: https://www.hrw.org/ar/news/2023/11/07/gaza-israeli-ambulance-strike-apparently-unlawful تاريخ الزيارة8مايو2024.
[6]– منظمة الصحة العالمية، إقليم شرق المتوسط، منظمة الصحة العالمية: الهجمات على مرافق الرعاية الصحية في قطاع غزة غير مقبولة ،انطر الرابط التالي: https://www.emro.who.int/ar/media/news/attacks-on-health-care-in-gaza-strip-unacceptable-says-who.html تاريخ الزيارة8مايو2024.
[7]– دولة فلسطين، الجـهـاز الـمـركـزي للإحصاء الـفلسطيني، أنظر الرابط التالي: https://www.pcbs.gov.ps/site/lang__ar/1405/Default.aspx، تاريخ الزيارة 30ديسمبر 2024.
-[8] جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، غرفة العمليات المركزية، انظر الرابط التالي: https://www.palestinercs.org/public/files/image/2024/latestResponse/ar%20382%202024.pdf تاريخ الزيارة 8مايو2024.
-[9] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، انظر الرابط التالي: https://www.ochaopt.org/content/escalation-gaza-strip-and-israel-flash-update-1 تاريخ الزيارة 8مايو2024.
-[10] هيومن رايتس ووتش، انظر نفس الرابط: https://www.hrw.org/ar/news/2023/11/07/gaza-israeli-ambulance-strike-apparently-unlawful ، تاريخ الزيارة9مايو2024.
-[11] جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، تهديدات بالقصف والاخلاء الفوري لمستشفى القدس ،انظر الرابط التالي: https://twitter.com/PalestineRCS/status/1718557604614459567 تاريخ الزيارة8مايو2024.
11 -جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، غرفة العمليات المشتركة، انظر الرابط التالي: https://www.palestinercs.org/public/files/image تاريخ الاطلاع 9مايو2024.
-[13] جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، غرفة العمليات المشتركة انظر الرابط التالي: https://www.palestinercs.org/public/files/image تاريخ الاطلاع 8مايو2024.
-[14] المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان، فظاعات إنسانية ارتكبها الجيش الإسرائيلي في مستشفى كمال عدوان شمال غزة تستجوب التحقيق الدولي انظر الرابط التالي: https://euromedmonitor.org/ar/article/6037 تاريخ الزيارة8مايو2024.
[15]– الأمم المتحدة، القائم بأعمال مدير مجمع الشفاء الطبي في غزة: الدمار في المجمع يجعل من غير الممكن العمل فيه مجددا انظر الرابط التالي: https://news.un.org/ar/story/2024/04/1129726 تاريخ الزيارة 8مايو2024.
-[16] الأمم المتحدة، خبيرة من الأمم المتّحدة تدين ’الحرب المتواصلة بلا هوادة‘ على النظام الصحي في غزّة في ظلّ استمرار الغارات الجوية على المستشفيات والعاملين الصحيين، انظر الرابط التالي: https://www.ohchr.org/ar/press-releases/2023/12/gaza-un-expert-condemns-unrelenting-war-health-system-amid-airstrikes تاريخ الزيارة 8مايو2024.
[17]– الأمم المتحدة ، منظمة الصحة العالمية: تدمير مستشفى الشفاء يعني نزع قلب النظام الصحي من قطاع غزة ،انظر الرابط التالي: https://www.ungeneva.org/ar/news-media/news/2024/04/92117/mnzmt-alsht-alalmyt-tdmyr-mstshfy-alshfa-yny-nz-qlb-alnzam-alshy-mn تاريخ الزيارة8مايو2024.
-[18] جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، حول قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي لقافلة الإسعاف التي تنقل جرحى العدوان على غزة باتجاه معبر رفح الحدودي يوم 3 نوفمبر 2023.، انظر الرابط التالي: https://twitter.com/PalestineRCS/status/1720579687682838812 تاريخ الزيارة8مايو2024.
-[19] منظمة الصحة العالمية، مكتب الأراضي الفلسطينية المحتلة، انظر الرابط التالي: https://twitter.com/WHOoPt تاريخ الزيارة8مايو2024.
-[20] يواف غانت، لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة. نحن نحارب الحيوانات البشرية، ونتصرف وفقًا لذلك.، انظر الرابط التالي: https://twitter.com/yoavgallant/status/1711335592942875097 تاريخ الزيارة8مايو2024.
-[21] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، انظر الرابط التالي: https://www.pcbs.gov.ps/site/lang__ar/1408/Default.aspx تاريخ الزيارة8مايو2025.
[22]– صندوق الأمم المتحدة للسكان، انظر الرابط التالي: https://www.unfpa.org/sites/default/files/resource-pdf/UNFPA-Situation-Report_Palestine_13Oct2023.pdf تاريخ الزيارة 8مايو2024.
-[23] يونيسف، انظر الرابط التالي: https://www.unicef.org/ar تاريخ الزيارة8مايو2024.
-[24] منظمة الصحة العالمية، اقليم الشرق الأوسط، انظر الرابط التالي: https://www.emro.who.int/ar/media/news/lifesaving-who-health-supplies-land-in-egypt-for-people-in-need-in-gaza.html . تاريخ الزيارة 8مايو2024.
-[25] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، انظر الرابط التالي: https://www.ochaopt.org/content/hostilities-gaza-strip-and-israel-flash-update-38 تاريخ الزيارة8مايو2024.
-[26] منظمة الصحة العالمية، انظر الرابط التالي: https://www.emro.who.int/images/stories/palestine/WHO_oPt_Sitrep_9.pdf تاريخ الزيارة8مايو2024.
-[27] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأراضي الفلسطينية المحتلة، انظر الرابط التالي: https://www.ochaopt.org/ar/content/hostilities-gaza-strip-and-israel-flash-update-23 تاريخ الزيارة8مايو2024.